تفاصيل

14287880“تفاصيل” ليس هو عنوان القصة الأبرز في المجموعة كما جرت العادة لدى مؤلفي المجموعات القصصية بل هو في الحقيقة عنوان لجميع القصص. ديمة ونوس اختارت أن تكون قصصها غارقة بتفاصيل الشخوص بتفاصيل وجوههم وبتفاصيل هندامهم وبتفاصيل حياتهم.

في هذه المجموعة اختارت ديمة ان تكتب تفصيلات عن كل من جعفر ومها وجهاد وفؤاد وحنان وسميح وعمر وسهر وأخيرا محمد. يشترك الجميع في الوطن ولكنهم يكاد لا يشتركون في جميع التفاصيل والنوايا والأماني.

عن جعفر ذلك الرجل الذي الرجل الذي كان يمتلك ختما ازرقا يساوي نعيما وفردوسا دنيويا تحول الآن إلى رجل خاو على حواف اليأس ولم تعد علاقته كما كانت بالآخرين أيام السلطة.

وعن مها التي كان بالها مشغولا بإيجاد طريقة لاطالة عمر المازوت الذي تستخدمه للتدفئة وبترقب افلاسها الشهري الذي اعتادت عليه. ربما كل ذلك تغير بعد أن استلمت قرار تعيينها كمديرة قسم حريصة على الوطن ومدخراته بقدر حرصها على اسكات صغار موظفيها الذين يمضغون علكة الفساد بدلا من احتفالات الوطن !

وعن جهاد مصطفى الآغا (المعجب بعزيز نيسين الكاتب التركي) ابن المسؤول الكبير الذي خدم الدولة ثلاثين عاما. ان جهاد لا يمتلك الا قليلا من الشركات الضخمة فضلا عن بيته المتواضع الذي يعج بالأثاث الفاخر والسيارات المظللة. جهاد اصبح مثقفا ثم منتجا للافلام ثم مغنيا وكل ذلك في سبيل خدمة الشعب السوري !

وعن فؤاد الذي يتم ركله وابعاده عن كل منصب خوفا من افكاره التغييريه المشوبه بالثورية والامانه والاخلاص التي يتمتع بها -رغم انه لديه تاريخ من الفساد المالي هو وعائلته – قرروا أخيرا ابعاده عن هيئة مكافحة الفقر الى منصب آخر (ربما) لأن أمن الوطن اغلى من سرقة الملايين.

وعن حنان المتزوجه بصنم لا يغادر سريره. حنان مكافحة جدا فلديها علاقات بكل من جابر الذي اهداها سيارة وقصي الذي يمطرها برزم من الآلاف -رغم ان جابر اكرم منه – وعيسى خضر الذي يشتري لها ملابس مبتذله (يمشي الحال) وأبو علاء صاحب السلطة التي اصبحت تتحكم بقراراته. كل ذلك يستحق ان يجعل زوجها ينام مطمنئا إلى هذه الامرأة العظيمة.

وعن سميح صاحب سيارة الأجرة الجميلة (هاجر – هكذا يسميها) الذي يميل لسماع اذاعة راديو (سوا) ومشاهدة قناة الحرة عندما يكون في المنزل بدلا من الاعلام المحلي. سميح لا يتردد في اخبار زبائنه بهذه المعلومات حتى ولو كان زبونه ذاهبا إلى براد المستشفى كي يتم اجراءات استلام جثة أمه !

وعن عمر مترشح البرلمان الذي توه اكمل بناء جامع فخم (رجل صالح) واستطاع ان يدفع الملايين لاطعام الكثير (رجل يحب الخير) ولا أنسى انه ايضا استلم سيارة من وكيل سيارات الهمر على عتبة جامعه الفخم. عمر يستحق المنصب والترشيح ايضا أليس كذلك ؟

وعن سهر المغرمة بالجمال الخارجي والقصور التي تحيط بمنزلهم. سهر أيضا معجبة بدروس مريم الدينية. ومعجبة بليالي الخميس الحمراء التي تقضيها مع زوجها. سهر حريصة على سؤال مريم عن كل امر يخص دينها وكان اخر ما سألته اياها بعد ليلة الخميس:
– هل العهر حرام يا حاجة ؟
– لا ليس حراما مع الزوج

وأخيرا محمد الذي كان يركن سيارته الفاخرة من نوع بي ام دبليو قرب بيته الذي يشبه زريبه صغيره. محمد كان مزهوا بسيارته وهو يخترق شوارع دمشق بينما كل السيارات تفسح له الطريق. للأسف لم تكن تلك سيارته بل كان سائقا يعمل لحساب سيدة لكنه كأي فقير يحب احلام اليقظة لأنها مجانية كما يبدو !

ابهرتني هذه المجموعة التي تحمل عقدا مبطنة في نصوصها. مجموعة تخلت عن الفنيات التي يزعج بها النقاد كاتبي القصة الشباب تعويضا عن سنين فشلهم في الكتابة. مجموعة ليست أكثر من خارطة بشرية لصنوف البشر في أي وطن وليس سوريا فقط.

  • * تفاصيل لديمة ونوس

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.